2011/02/15

وقيدت ضد مجهول

من تكلم قتلناه , ومن سكت مات بدائه غما .. ردد هلكان هذه العبارة أكثر من مرة وقدم لي فنجانا من القهوة ولفافة تبغ .. رمزية القهوة قد أثارت قلقي .. لارتباطها بالموت وكونها من أعراف مجالس ( الفاتحة ) عندنا .. ( القهوة المرة التي ينتزع منها ( الهيل ) ليست رمزية لنفي جدلي للحياة بل للموت الحي عندنا , فنحن أشباح بلا ‘‘ أرواح ’’ , بفعل القهر والاستبداد والركود المتحرك في ذاته , حالة الموت عندنا هو مجرد توقف ‘‘ الروح ’’ عن المعاناة لتوقف تحرك الجسد وتسكنه ) .. بهذه العبارة المتفلسفة , رد العم هلكان على قلقي من رمزية القهوة , التي لم أرها يوما في بيته لأن هلكان يكره العدم ويعتبر القهوة ( المامهيلة ) رمزا له .

أجارك الله ياعم .. ما الذي ادخل رمز الموت هذا إلى بيتك اليوم .. قال وكأنك تجهل ما حدث لنقيبكم – أيها الصحفيون - قلت كلا .. فما جئت إلا للحديث عن هذا .. ولكني عهدتك لا تقيم مراسيما لتأبين الأشخاص .. أجاب : إلا هذا الرجل . فاعلم يا بن أخي إن الرمزية التي يمثلها هي المحرك الوحيد لعجلاتنا الآسنة وإنهاء موتنا ألسريري إلا وهي الرأي والكلمة الحرة , المذبوحة منذ الأزل عندنا , وذلك سر ذبحنا من الوريد إلى الوريد , على مر العصور , وهل من المصادفة أن تكون رمزية الاغتيال إن رصاصة الظلام اخترقت اليد إلى الرأس إلى الفم .. اليد التي تكتب والرأس الذي يفكر والفم الذي يتكلم لتأتي الرصاصة الأخرى في الصدر وكأنها تريد إيقاف نبض الحياة . رمزية اغتيال الرجل - الكلمة الحرة هي رسالة خطرة ومخيفة تقول لنا اخرسوا أو نخرسكم وحولوا أدمغتكم إلى مستودع للعفن وامنعوا أيديكم عن مسك القلم .. أنها تحول طنطلي , كما حكيت لك في الحكاية الثانية , الطنطل يشتغل مرة أخرى على شكل ( اوبل ) .

ليس كل الطغاة واضحين عدا من قال ( من تكلم قتلناه.. ) الم يروي التاريخ عنه قوله - قتلت مئة إلف لا اعرف لم قتلتهم - لقد ناب عنهم في الوضوح ليترك لهم أن يعملوا في الظلام على تطبيق هذه الإستراتيجية المفضلة ( للذهب وسلطته ) .

إن امة تغتال الكلمة الحرة لن تجني سوى العفن و الصدأ ولعنة الأجيال , فالكلمة الحرة تطهير لجسدها من كل الإمراض .. جهاز المناعة القوي الذي يحميها ويصونها , نأمل أن لا تقيد هذه القضية ضد مجهول , أيضا , فهي ليست كسواها من القضايا وان عظمت . هي قضية القضايا ومفتاح مغاليقها , فمن يقتل الكلمة الحرة هو اللغز الكامن وراء جميع مصائبنا .. مجدا لك أيها الشيخ في رحلتك الأخيرة .. ومجدا لك في تاريخك الطويل من اجل الناس والكلمة الحرة .

والى هنا لم يسكت هلكان عن الكلام الغير مباح إلى أن يدرك الشعب العراقي وفقرائه نور الصباح .

ليست هناك تعليقات: