2010/10/19

قصة قصيرة __ أكواخ وأفاع




كانت حركة المجداف تبقر بطن مياه الهور الرخوة برقة وتصميم . تندفع المياه إلى الخلف فيما ينطلق (المشحوف) إلى الإمام في حركة مموسقة زاد في جماليتها الامتداد الشاسع لسطح المياه الهادئة والسكون الجميل الذي تقطعه ، بين الفينة والأخرى ، الطيور البرية المهاجرة التي عادت إلى الهور مع عودة المياه تدريجيا إليه .
- أيتها الطيور الجميلة العائدة .. أأصوات فرح أم أصوات فزع ما تطلقينه ؟
أرعب (أبو كريمه) وأقلقه كثيرا عدم فهم لمغزى أصوات الطيور . لقد عاش منذ ولادته في أحضان الهور . كثيرا ما أكد لنا إن عائلته والهور تؤمان لذا فأنه يعرفه بكل ما فيه . قال ضاحكا : أنا خبير في شؤون الهور .
لم يخفي علينا سرا في إنه أقتبس هذا اللقب من الثقافة السائدة ألان حيث تكاثر عندنا الخبراء في كل شيء كما يتكاثر الفطر السام .. عقب على نظراتنا المتسائلة ضاحكا .. أنا خبير حقيقي (بلادي) ولست تقليدا .
كان من غير المألوف بالنسبة له ، بل كان أقرب إلى الكارثة ، أن لا يفقه مغزى أصوات الطيور .. قال بأسى :
- لقد تغيرت الأمور كثيرا منذ إعدام الهور .
لا يستطيع أحد أن يجادله عن فهمه لتجفيف الاهوار . بل ربما إنك ستغضبه كثيرا إن لم توافقه الرأي .
- أقول لكم إنهم قد أعدموه .. قال ذلك بغضب عندما مازحناه قليلا
- (أبو كريمه) .. ليس للهور روحا حتى يزهقها الجلاد .
أعترض على ثقافتنا المسطحة ، حسب تعبيره ، قائلا :
- ألم تروا السمك وهو يتلوى من الألم ، عندما غادرته المياه ، بعد أن قطعوا كل شرايين الهور ؟ ألم تشاهدوا الأرض وهي تحتضر بعد أن أمتلئت بالأخاديد العطشى ؟
استنتج بألم : يالها من رقصة غريبة رقصة الموت هذه .. تذكر القفزات المتألمة لثوار هور (الغموﮔـة) عندما انهمر الرصاص والقذائف عليهم من كل مكان بعد أن حوصروا .. تذكر وتذكر سيل الدماء الذي ما زال جاريا .. اختنقت صرخته من الألم فتلاشت في ثنايا صدره .. يالها من مجازر .. هل كتب علينا أن نكون بلد الموت الدامي المستديم ؟!
أفاقه اصطدام (المشحوف) بقصب البردي ؟ الذي اخذ ينمو هنا وهناك على استحياء في المياه القليلة الغور ، مدركا إنه قد وصل إلى حافات المياه حيث تتناثر الأكواخ البائسة هنا وهناك .
أثار انتباهه هروب السكان الذين ميزتهم أسمالهم البالية بعيدا عن الأكواخ وملامح الرعب تفترس وجوههم .
- لقد هاجمتنا المئات من الأفاعي القاتلة التي لم نرها من قبل .. قال ذلك اقرب الهاربين أليه وهو يحثه على الهرب .
نظر (أبو كريمه) شزرا إلى الهور ..
- أنت لست الهور الذي أعرفه . الهور لا يفترس أبنائه .
أمسك بمجداف القارب بكلتا يديه بعزم وبأس ضاربا الأفاعي بكل ما أوتي من قوة وفي كل الاتجاهات .

ليست هناك تعليقات: