2011/04/26

جدل قراءة التاريخ وصنعه – مرة أخرى-

إذا ما نظرنا إلى تاريخ الأمم التي تقدمت وقطعت مراحل كثيرة على طريق حريتها وتطورها فسوف نجد إن الخطوة الأولى التي وضعتها على الطريق الصحيح هي نقدها الجذري لواقعها السيئ على كافة المستويات والمجالات وإنهاء تقديسها وتصنيمها للذات التاريخية والذات الراهنة ، مما أدى إلى خلق حركية نقدية متفاعلة مع التاريخ والحاضر بجدلية رافضة لكل ما هو متخلف ووثوقي وسكوني ، وطورت كل ما هو إيجابي لتنتج مركبة جديدة خلقت الإنسان الحر الفاعل المؤثر ، وجمعا مموسقا فاعلا ، وبذلك استبعدت الفرد الخانع السلبي المتلقي المغيب ، وكذلك الجماعة القطيعية واستبدلتها بالاجتماع الإنساني الحر صانع التاريخ .

لقد أنتجت المواطن الأمة لا المواطن العضو في القطيع ، والدولة الأمة لا الدولة السلطة التبعيضية ، بأشكالها المختلفة . آنذاك اختفى البطل الضرورة الملهم والجماعات والايديلوجيات الضرورة المنتجة له حيث وضع البطل في مكانه الصحيح فهو البطل العضوي – بالمفهوم الغرامشي – المندمج في حركة الجماهير ، وأخضعت الايديلوجيات والجماعات السياسية لمنطق الواقع الناقد والكاشف ، فأين نحن من هذه الأوضاع المبدعة والخلاقة ؟!

لا أريد الإثقال على القارئ بقدر ما أردت أن أجد مفتاحا لقفل الأقفال المعيق لتطورنا وهو السيكولوجية الوثوقية السكونية ، الفردية والجمعية ، السائدة التي لم تشرع لحد الآن بنقد جذري شامل ومنتج على مستوى النظر والعمل والسلوك رغم كل التردي المستمر ومن دون ذلك ستظل كل التضحيات والاحتجاجات العظيمة لشعوبنا غير منتجة حيث نستبدل الأسوء بالأسوء ولربما بالأكثر سوءا وبالتالي استمرار القوى المضادة للتحرر والتقدم باستثمار الثورات الراهنة من قبل هذه القوى لصالح مشاريعها ومن ثم إعادة إنتاج أنظمة أكثر سوءا تكتسب " مشروعيتها " من الحالة الثورية .

لقد استبشرنا خيرا بالاحتجاجات العظيمة لشعوبنا لكن هذا الأمر لا يمنعنا من النظرة النقدية للأحداث حرصا على مستقبل هذه الثورات . لقد كانت الشعارات الأساسية لهذه الثورات هي الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ، ولكن من الملاحظ إن هذه الأهداف قد صارت شعارات رومانسية غير محددة المحتوى لتصب بخانة قوى ايديلوجية معادية لهذه الشعارات منهجا وفكرا وسلوكا تحاول استثمارها وتفريغها من محتواها .

لقد أثبتت الأحداث إن التحرك العفوي للجماهير لا يكفي بحد ذاته لإنجاز هذه المهام وتطبيق هذه الأهداف على الرغم من كونه قد أرعب الأنظمة الفاسدة واثبت عجزها عن إيقافه واحتوائه ، لكنه لم يحد من القوى والشرائح السائدة سواءا كانت حاكمة أو في المعارضة التقليدية من الحفاظ على جوهر النظام بأشكال أخرى .

إن التجربتين التونسية والمصرية إذ نجحتا في إزالة رأسي النظامين وبعض الحلقات الضيقة في قمتهما قد أشاعتا نوعا من الاسترخاء والثقة القدرية بقدرات الجماهير ولكن ما جرى بعد ذلك قد أكد إن قوى الثورة المضادة تحاول استعادة المبادرة في تونس ومصر فيما تقاوم الأنظمة الأخرى الاحتجاجات الجماهيرية بوحشية لا نظير لها فيما تتهيأ القوى الأكثر فاشية لتسيد هذه الاحتجاجات وحرف اتجاها الحداثوي التحرري الإنساني . هنا يكتسب السؤال الأهم : ما العمل ؟ ضرورته وأهميته .

إن الفرص التاريخية الكبرى لا تتكرر دوما وإن إضاعة هكذا فرص سيعيدنا إلى أوضاع لا يحسد عليها أحد . لذا يستلزم هذا الوضع من كل القوى الحية من الطبقات والشرائح التي لها مصلحة بتحقيق هذه الأهداف إعادة تنظيم نفسها مستلهمة ما أفرزته هذه الثورات من دروس وعبر لطرح خط سياسي وتنظيمي وتعبوي يعزل قوى الثورة المضادة ويفشل خططها لإعادة إنتاج الأنظمة القديمة بأشكال جديدة .

ليست هناك تعليقات: