2010/09/26

من أجل قراءة منتجة

أسئلة لمشروع اجوبة

هذه الأسئلة ليست ملزمة لأحد بقدر ما هي مستفزة، كما أنها ذات مهمة تحريضية لإثارة التحدي في الذوات الإنسانية لمواجهة الواقع الذي يبدوا حيوانيا ينتمي إلى الغابة ، وحيث النهايات تشبه البدايات ،وحيث تلبس الأشياء والذوات وجوها بدلا من أصحارها لوجوهها ، كما يبدو المتصارعين كممثلين في تراجيديا أسطورية فقدت فخامتها لتبدوا كوميديا مبتذلة تثير الأسى والدموع عوضا عن أثارة الضحك سوى القهقهات المفتعلة . في منطق هذا الصراع العقيم وأدواته ووسائله،وبعد أن صارت حوارات رجاله وممثليه حوارات طرشان، فلكل يغني على ليلاه ويتخندق في ذاته،ألجأ إلى الحوار مع الورق،مستفيدا من كل ما يوفره الورق لي من حيادية وصمت لأمارس فعل حريتي من دون رقابة أو قمع أو كبت ليخرج النص ((متماسكا)) و ((متحررا)) وبالأحرى أنه يوهمني بذلك .عندما يكتمل النص يصير ملك ذاته وبذلك أفقد حريتي اتجاهه وأشعر بالسلب منه،ومن جديد ألجأ إلى الورق لإنتاج نص جديد لأستعيد فعل حريتي،الصراع الدائم بين النص كمشروع وبين النص كمنجز،هذا الحوار المستمر والمتنامي مع الذات يشكل صراعا جدليا بين فعل حريتي الذي سلبه مني أنجاز النص،وبين النص المنجز.النص المنجز ألغى الشخصنة التي تمتعت بها طيلة المقطع الزمني الذي كان فيه مشروعا لحين أنجازه ليكون ملكا لذاته ومتصارعا ومتفاعلا مع ذوات أخرى تتبناه أو تقارعه،وعندما تتعدد الذوات في أنتاج نصوصها فتتفاعل هذه النصوص وتفني بعضها بعضا متحولة من كونها نصوص منجزة سكونية إلى مشروع تجاوز يحقق فعل الحرية للذات المشخصنة محققا الحرية لها وميسرا لها منع الانسحاق في القطيع الواحد الملامح وحاجزا النزعة الأنانويه عن الذات المشخصنة لتتحول إلى ذات جمعية متحررة فاعلة ومتفاعلة،وهكذا يستمر جدل فعل الحرية في سيرورة دائمة ومتجددة.
أشترط أن يكون النص مستفزا ولا يكل عن التسائل فما يكبل فعل الحرية ويعيقها هو الرواسب والنهايات المتعددة التي تفرضها اللحظة الراهنة المشكلة للوعي والمتشكلة من الأيديلوجيا،العادات والتقاليد،تعدد الأدوار التي تمارسها الذات الواحدة،طبيعة النظام السياسي،التاريخ الذاتي والمجتمعي .......... الخ
في أشارة مهمة لأبعاد سوء الفهم أن ذلك لايعني القطع التام مع اللحظة الراهنة ولكن فعل الحرية يتأتى من الصراع الجدلي مع كل ﺁنات اللحظة التي تكبل الوعي. أن أول استفزاز مهم هو استفزاز الذات التي تعيش وهم الوعي أو الوعي الزائف الذي تفرضه وتصنعه ((أعضاء التنظير الأيدلوجي )) المختلفة فيكون شرط فعل الحرية الأول هو أن أستفز ذاتي وأسائلها وبذلك أغسل مراكز التفكير عندي من كل ما علق بها من رواسب ونهايات معيدا بنائها من خلال التساؤل الدائم للذات:هل مازلت أمارس فعل حريتي؟
بهذا السؤال سأستفز ذاتي وأسائلها فلا سبيل إلى الخروج من المأزق سوى أن نثير أسئلة مستفزة لوهم قناعاتنا في عصر تطورت فيه وسائل وأدوات تصنيع ((الوعي)) وخلق الروبوتات الإنسانية.
السؤال هنا هل هي دعوة إلى مذهب أبكتيتوس في دعوته للحرية الداخلية "وأن تحررنا يمكن أن يتم في استقلالنا الروحي الداخلي،وأن حريتنا لايمكن تحقيقها بتغيير العالم"(1) وماذا عن رؤية ماركس حول أن "ما فعله الفلاسفة أنهم فسروا العالم بينما المطلوب تغييره " ؟

سنحاور ابكتيتوس في دعوته للحرية الداخلية ... فعندما أحاور ذاتي على الورق كمشروع نص فأني أمارس فعل حريتي وأوهمها ومسلماتها التي أكتسبتها من العالم حولها معيدا اكتشافها من جديد وبذلك أمتلك حريتي وأستقلالي الروحي الداخلي . وأذا أردنا أن نجري موائمة بين أبكتيتوس وماركس سنسئل كيف نكون ذاتا متحررة أذا لم نغير العالم ؟وكيف نغير العالم أذا لم نكن ذاتا متحررة ؟

رغم أن الحقيقة موجودة بوجود وعي الإنسان أو عدم وجودة، غير أن هذا الوجود لامعنى له خارج الفعل الإنساني،كينونتنا و فنائنا جبري ومتساوي لكن أشكالنا هو فيما بينهما . أن حقيقة الإنسان تكمن في فعل حريته، ومن هنا تأتي فرادته،الأشكال الحقيقي له هو الصراع الجدلي المستمر بينه كذات وكجماعة، وبينهما وبين الأرتهانات والتحديات المختلفة سواء تلك التحديات التي تفرضها الطبيعة أو تلك التي تفرضها نشاطاته المختلفة ونتائجها،ومن هنا يتمكن العقل المدرك بادواته المعرفية في أدراك الموضوع ويتوسط النص بمختلف مراحله في تمكين الإنسان من تحقيق حريته الفعل المتجدد ومحاولة أنتاج نصوص جديدة سيجعل منهما حاجز عن ثبات النص.

الإشكال بين الذات المشخصنة والذات الجمعية،بين حرية الفرد وبين حرية الجماعة وتلازم أحداهما مع ألأخرى،فليس من شخص حر في جماعة مستعبدة أو متمسكة بقيم الاستعباد أو تستعبد جماعة أخرى وبالعكس . هذه الإشكالية المستمرة تاريخيا للفعل الإنساني في صراعه مع الضرورات المختلفة للوصول إلى (فضاء الحرية)، رغم كل التقدم الذي حققته والرجوعات التي قطعت ذلك التقدم،لم تصل بعد إلى النقيض التاريخي لأرتهانات الضرورة المختلفة الحاجزة لأنسنة الإنسان والمجتمع .

النقيض التاريخي،المستبعد من التحقق،بفعل أرتهانات الضرورة بتحويلها النقيض إلى البديل عن طريق أستبدالها النخب السائدة بنخب سائدة جديدة تعيد أنتاج القمع والقهر قد يفسر لنا سبب تراجع الكثير من الثورات العظيمة في أهدافها وتحولها إلى دول قامعة والأخطر من ذلك تحولها إلى مجتمعات قامعة ومستبطنة للقمع .

الإشكال الأخر أنه كيف تستطيع مجتمعاتنا التي تعيش خارج العصر وتتخلف عنه أن تتحول إلى ذات فاعلة وهي التي تغرق في صراع البدائل الدموي و اللا أنساني من دون ضرورة موضوعية،لكي تندمج في العالم وتترك بصماتها عليه ؟ وكم نحتاج إلى أسئلة مستفزة حتى لو كانت مجرد إسقاط حجر في مستنقع راكد لمحاصرة فقر الموضوع وأدواته وأساليب تفكيرها وعملها ؟



(1)أبكتيتوس : (تقريبا 50-138 م ) . فيلسوف روماني. دون تعاليمه أريان فلافيوس تلميذه المتمكن . المصدر الموسوعة الفلسفية.وضع لجنة من العلماء الأكاديميين السوفياتيين . دار الطليعة للطباعة والنشر . بيروت

2010/09/25

مقامة العراقي والزبدة



حدثنا الحكيم هلكان السومري العراقي في جلسة للمقامة السومرية . قال : ما هي قضيتكم مع الزبدة ، يا أبناء بلدي ؟ أجبته : عن أي زبدة تتكلم ؟ أجاب : ما إن يسال أحدكم عن موضوع ما تقتضي الإجابة عليه التوسع في الشرح والتعليل والغوص في ما وراء ظواهر الأمور ، حتى تضيق صدوركم ، وتتصدع رؤوسكم ، فتقطعون الكلام بسأم قائلين : ما هي الزبدة ؟
أنتاب المواطنين الحضور شعور بأن الحكيم يريد قول شيء من خلال طرح السؤال ، فمهد له أحدهم الطريق بالجواب : ومنكم نستفيد . استطرد الحكيم :
اعلموا يا أخوان إن ذلك من باب إلغاء العقل والتنبله والاتكال على الغير وهي صفات مذمومة في الأشخاص والأمم . كما هي تعاكس ماضيكم وتاريخكم العظيم وانقطاع غير محمود عنه وهذا هو احد الأسباب الجوهرية فيما تعيشونه من تخلف وترد ، تأخذكم كل موجة مأخذها حتى صار الكثير منكم تابعين لا رائدين ، مقلدين لا متأصلين ، مصفقين لا معترضين .فقد روي عن برلمانكم في العهد الملكي إنه برلمان ( موافج ) أي موافق ، إلا من رحم ربك ، حيث يقال إن أحد البرلمانيين كان ينام في الجلسة و( يشخر ) وقد أوصى مرافقه إن حل وقت التصويت ، وكان المشروع تؤيده الحكومة ، أن يرفع يده بالموافقة على المشروع وكذا الحال في المجلس الوطني في النظام السابق الذي شعاره : نفذ ثم ناقش واستدلاله على ذلك بسؤال استنكاري : هل نحن أفهم من السيد الرئيس ؟! أما في برلمانكم الديمقراطي الفدرالي الشفاف فترى العجب العجاب حيث يكثر فيهم الجدل ويقل عندهم العمل فيتفقون على أن لا يتفقون وإن احترق الوطن والمواطن حيث عيون السادة النواب على رؤساء كتلهم ينتظرون الإشارة ، وكل جماعة لهم لغز خاص سواء بالموافقة أو الرفض ، حيث أن السادة نواب الشعب قد انتخبوا ‘‘ الزبدة ’’ من نواب كتلتهم أو نواب نواب الشعب وهم في كل كتلة يعدون على الأصابع وبذلك تعيرون جماجمكم للآخرين ليسطروا عليها ما يشاءون ويقتادونكم من جحيم إلى الجحيم وانتم منومون ومغيبون .
لقد كان أجدادكم في حضارات وادي الرافدين ، في ذلك الزمن البعيد ، وتد الأرض ومركز الكون ومنها نشأت وانطلقت المعارف إلى الدنيا ، فقد اخترعتم الكتابة والتدوين وبذلك افتتحتم تاريخ الإنسانية ، ولم تعجزكم الطبيعة القاسية وجوها المتقلب ، ولا انعدام المعادن الضرورية ، ولا الفيضانات المدمرة لأنهاركم العظيمة في غير أوانها ، فأخضعتم الطبيعة وتحديتموها تحدي المقتدر محولين شططها وطغيانها إلى نعمة فأعمرتم الأرض وصنعتم حضارة وثقافة سادت العالم ونظمتم الحياة بقوانينكم الشهيرة ، ولم يقدر لهذا الأمر الحدوث لولا صبر أجدادكم وسعة أفقهم وتحديهم وبحثهم المضني والمتشعب عن إشكالات الإنسانية فتوصلوا إلى زبدة الأشياء وخلاصاتها المفيدة المتجددة فلم يقفوا عند حد ، ولكن هذا لم يأتي إلا بعد جهد جهيد وبحث مفيد وتساؤل عنيد وقد حافظوا عليها دهورا لأنهم لم يحصلوا عليها بالهين وإنما بكد وعرق ودم ، بل وصلوا إلى أبعد من ذلك كما تحكي ملحمتكم العظيمة ( عن گلگامش الذي رأى كل شيء ) والذي تحدى الأشياء وبنا سور ( أوروك ) وصارع ( أنكيدو ) الذي أرسلته الإلهة لمناجزته وصادقه ، ليقتلا معا الثور الذي أرسلته للانتقام . كما سافر إلى البحر المحيط بالعالم ليأتي بنبتة الحياة له ولشعبه فكنتم حقا شعب الخالدين ، شعب الاستمرار والنماء . فما الذي جرى لكم ؟!
تركه أعضاء المقامة إلى أن تمالك جأشه وسيطر على أساه . فأجابه مواطن من أعضاء المقامة وواساه :
على مهلك أيها الحكيم . لقد ابتلينا منذ قرون بثقافة التجهيل والتضليل ، ومنطق التبرير والتسويف وحكام الترغيب والترهيب والتخويف ، جاعلين من هزائمهم انتصارات ومن وحشيتهم تمدن ومن تخلفنا رقيا وتقدما ومن الخرافة علما ومن العلم بدعة ، حتى صرنا نشك بابتلائنا بلعنة أشد من لعنة الفراعنة تلاحقنا جيلا بعد جيل ، فطلبنا الزبدة عن غير عناء بعد أن كلت عقولنا وأنفسنا .
قال الحكيم ، العراقي العريان :
يبدوا إن منطق العجز والتبرير قد صدأ عقولكم ودجنها إنكم لا تطلبون الزبدة بل الزبد والزبد يذهب جفاء . وإلا فكيف تطلبون المن والسلوى من دهاقنة التسويف والتبرير ، تاركين النقد والتجديد والتنوير ؟! وكيف اقتنعتم بطلب الحليب من الثور ؟! كل ذلك لأنكم استسهلتم الأمور . تنامون تحت النخلة عسى أن يتساقط عليكم رطبها جنيا . لا حل لكم ولا أمل سوى العودة إلى سيرة أجدادكم الذين صنعوا الحضارة وابتكروها في فجر التاريخ وذلك بوضع كل الأمور على المحك والتحدي الايجابي للصعاب وبذلك ستكونون كما كان أجدادكم تنتجون زبدة الأشياء عندها سيذهب الزبد جفاء ولا يمكث عندكم إلا ما ينفع الناس بذلك تعود بلاد الرافدين صانعة الحضارة والثقافة والتمدن ، وقد تهدون إلى العالم الذي أمتلئ بالوحشية والخواء حضارة جديدة كما فعل أجدادكم ، فيكتب عنكم مستقبلا : لقد أنقذ العراق العالم مرتين .