2011/06/12

رجل إرهابي

ضج مخزن تجهيز الطحين بأصوات غير متناغمة ، صوت المكائن أختلط بأصوات العاملين في المخزن . كان فاضل يحمل كيس الطحين على كتفه وملامح وجهه قاتمة .

- زرقاوي ، ماذا تحمل في الكيس ؟
قال ذلك أحد الحمالين ممازحا لفاضل .
- إنه يحمل عبوات ناسفة .
امتلئ المخزن بضحكات العمال فيما انتزع فاضل ابتسامة باهتة من بين مظاهر البؤس التي افترست ملامحه .
- لقد بلغونا بإخلاء المتجاوزين على العرصات ومنحونا أسبوعا لإخلائها .
ثمان سنوات وهو يحارب من أجل الوطن – هكذا قالوا له – وما أن انتهت الحرب حتى وجد نفسه ، مثل الكثيرين ، بلا مستقبل ولا وطن صغير يأويه وعائلته الكبيرة .
- لقد ضيعونا كما ضيعوا الوطن .. قال له صديقه ذلك بمرارة .
انتبه من شروده على صوت زوجته اليائس .
- فاضل ، بربك إلى أين سنذهب ؟
ابتدأت نشرة الأخبار بخبر سار إن ميزانية الدولة لهذا العام قد قاربت السبعون مليار دولار . تأمل غرفته الوحيدة التي بنيت من الطابوق الأسمنتي (البلوك الأسود) وهي الحصيلة الوحيدة التي استطاعت مدخراته البسيطة الحصول عليها .
لم يمتلك فاضل يوما عملا ثابتا . بل إن جل أعماله موسمية ومن ذلك أعمال مؤقتة في الأراضي الزراعية .
- هل نجد عندك بعض الماء ؟
قال له أحد أفراد الدورية العسكرية . سقاهم الماء ثم أستأنف عمله فيما كان أفراد الدورية قد انتشروا بين أشجار النخيل .
- دعهم يهدمون الغرفة على رؤوسنا .. أين نذهب ؟
قال ذلك متبرما بعد أن أعياه التفكير بالوصول إلى حل .
- أرفع يديك .. قال له أحد أفراد الدورية التي عادت من البساتين المجاورة، فيما كانت بنادقهم مصوبة نحوه بدقة . قيدوا يديه وعصبوا عينيه ثم القوا به في الهمر .
- قل في الحال وإلا .. متى دفنت الصاروخ في البستان ، ومن كان معك ؟
قال آمر الوحدة التي هاجمت مدينته – بعد أن ثار أهلها احتجاجا على نتائج الحرب – وهو يأمر جنوده .
- أضربوهم بالصواريخ .. أضربوا الخونة .
تحايل فاضل ، كما فعل الكثير من الجنود ، على الأمر بنزعهم كبسولة الصاروخ كيلا ينفجر .
- والله لا علم لي بالأمر .. هذا أول يوم أعمل فيه في هذه المنطقة .
- أخرس .. إرهابي .
بكى فاضل كثيرا عندما شاهد ، للأول مرة ، ديكا مذبوحا وهو يقفز من الألم . لم تفلح كل محاولات الحاضرين لترضيته .
- لا تبكي ياولدي .. سيكون عشاؤك اليوم دسما .
قالت أمه ضاحكة وهي تحتضنه ولكنه أزداد بكائا .
أطلق سراحه بعد شهور بعد أن أثبتت فحوصات خبراء المتفجرات إن الصاروخ من بقايا الحروب السابقة التي عاشها البلد .
لم تمر أيام قليلة على اطلاق سراحه حتى انتشرت الهمرات في نظام معركة وهي تطوق البيوت البائسة للمتجاوزين . باشرت (الشفلات) في هدم البيوت . تناهى إلى سمع فاضل زئيرها وهي تزيل أكداسا كبيرة من الأنقاض . انهمرت الدموع من عيني أمه العجوز فيما أمسك بعضادتي الباب بقوة وصرخ .
- إن كان ولا بد ، فليهدموا البيت على رؤوسنا .

ليست هناك تعليقات: