2011/03/22

مخاطر إجهاض الثورات الراهنة

يستطيع المراقب أن يرى بوضوح إن الثورات الجماهيرية الراهنة في المنطقة قد دحضت نظرية المؤامرة التي رددها الحكام على اختلافهم في مواجهة الحراك الجماهيري العارم الذي ضاق ذرعاً بأنظمة التخلف والاستبداد التي تسود المنطقة . لقد اكتشفت هذهِ الشعوب إن المؤامرة الحقيقية هي هذهِ الأنظمة بكل أباطيلها والتي جثمت على صدور هذهِ الشعوب وإحالتهم إلى القرون الوسطى .

واستدراكاً على ما تقدم فأن هذهِ الحراكات الاجتماعية ليست خالية تماماً من محاولات القوى المضادة للحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية لحرف هذهِ الثورات عن مساراتها وإعادة إنتاج أنظمة متخلفة جديدة ،وهذا ما جعلني أعود إلى موضوعة الصراع بين الثورة الخلاقة والفوضى الخلاقة وأدواتهما . لقد شاهدنا بعد النجاح النسبي لثورتي تونس ومصر ومحاولات القوى البديلة للسلطات المسقطة ، حيث تتعارض مع النظام في الشكليات وليس في الجوهر ، في الضغط على الحركات الاحتجاجية لإقصائها وتحييدها وإعادة إنتاج النظام بوجه آخر . كمثال وليس على سبيل الحصر اغتصاب ميدان التحرير من قبل مفتي أمير الغاز ، حيث تحاول قوى الثورة المضادة في كلا البلدين تجيير الثورة لصالحها حيث إن مسألة نجاح الثورتين لم تحسم بعد .

في ليبيا ، فإن النظام الاستبداد المطلق الذي اختزل الوطن والشعب في شخص رئيسه ( أنا المجد أنا الثورة ) . وكما حدث في العراق في زمن الدكتاتورية السابقة ، فقد واجه هذا الشخص شعبه بالحديد والنار ، وبعد أن تركته القوى المهيمنة على العالم ليفعل ما يشاء ، تداعت هذهِ القوى لسحقه وسحق الشعب الليبي وثورته وتحويلها من ثورة خلاقة كأخواتها في تونس ومصر لتحول الوضع في ليبيا إلى فوضى خلاقة ولربما الاحتلال المباشر للبلد .

أما في العراق فيجري خلط الأوراق بإدعاء التماهي بين الديمقراطية والعملية السياسية لتتهم السلطة المنتفضين بالعداء للديمقراطية على الرغم من الطابع المدني التحرري الديمقراطي المطالب بإسقاط الفساد والمفسدين ومحاسبتهم ورفض احتكار السلطة وقمع الحريات المدنية . ( بغداد لن تكون قندهار ) .

أما في البحرين فتجري محاولات لتطييف الصراع وتحويله إلى صراع طائفي ومن ثم إقليمي رغم إن ثورة الشعب البحريني قد طالبت بمطالب مدنية وديمقراطية والمناداة بالعدالة الاجتماعية في تعامل الحاكم مع المحكوم .

إن الثورة الخلاقة إذ نجحت نسبياً في تونس ومصر فأن قوى الاستبداد الداخلية والخارجية قد استعادت توازنها وأخذت بتنشيط أدواتها ووسائلها في خلط الأوراق مما يستلزم إدراك إن متلازمة الاستبداد والتدخل الخارجي من أساليب الثورة المضادة وإن الثورة ليست التظاهر في الشوارع وإسقاط رأس النظام فقط وبعض رموزه وإنما منع اختراق هذهِ الثورات من قبل الثورات المضادة التي قد تعارض الوضع القائم في أمور ولكنها تنتمي في الواقع إلى نفس بنيته التحتية والفوقية ، وإقامة نظام نقيض للنظام السابق في جميع مفاصل الدولة والمجتمع .

ليست هناك تعليقات: