2011/01/11

الوطن والوطان

( لو أصغينا إلى الأناشيد التي يترنمون بها كل حين لوجدناها تردد ذكر " الوطان.. الوطان " ولست ادري ماذا يقصدون بهذا الوطن الذي يتغنون باسمه .. ) ألقى العم هلكان " وعاض السلاطين " من يده , باشمئزاز , ليملا أقداح الشاي معلقا :

ومضة برق ساطعة صفع بها الطيب الذكر , علي الوردي, ظلام واقعنا ألشعاري الغائم قبل أكثر من 40سنة , معرضا نفسه إلى نقمة " الهتافين والشعارين " الذين أقاموا الصراخ ألشعاري ضده ولم يقعدوه , ويبدو إن ذلك الأمر كان ومازال وباء سريع الانتشار , فقد كنا جميعا نردد ونصرخ " الوطان..الوطان " وكأننا في شبه غيبوبة أو منومون مغناطيسيا : الجلادين والضحايا السراق والمسروقين , الفقراء والمترفين , الحكام والمحكومين . نتقاتل باسمه , ويخون بعضنا البعض به , حتى صار لغزا وشبحا نقدم " له " القرابين تلو القرابين , وبأصوات مبحوحة منشدين:

وطن تشيده الجماجم والدم تتهدم الدنيا ولا يتهدم

لم نكتف بهذا بل زرعناه في عقول فتيتنا بدلا من الحب والعلم ولقناهم لاحت رؤوس الحراب , تلمع بين الروابي , فتربينا على انتظار رؤوس قد حان قطافها وأخذنا نقطع رؤوس بعضنا البعض. عشرات العقود من السنين والوطن هو الجماجم والدم والموت والخراب مابين اغتيال أو معتقل أو انقلاب, والانكى من ذلك , إن وجدت شرائح وجماعات ادعت - باسم الحق الوطاني- امتلاك واستعباد البلاد والعباد , لتوزع صكوك الغفران الوطنية للعائدين إلى الصف الوطني , ولتمنح صفة وطني لمن تشاء وتحجبها عمن تشاء .

لقد أصاب الوردي كبد الحقيقة في ( وعاضه ) بقوله ( مر على العراق يوم كان أولياء الأمر لا يبالون بحالة الفلاح مثلما يبالون بالرايات والطبول والأناشيد , إذ بحت أصواتهم وهم يهتفون : " إلى الأمام .. إلى الأمام " ولا ادري ما هو هذا " الأمام " الذي يريدون ) .. وما يزالون . فرغم إننا نعوم في بحر من الثروات , يعيش اغلبنا الفقر والبؤس والإذلال, دخلاء وضيوف غير مرغوب بهم في بيتهم , وكان الوطن وثرواته ملك أباء وأجداد الحاكمين .

كان بودي تركه مسترسلا في حديثه , ولكنني اغتنمت فرصة إصلاحه لفافته لأساله : ليس ذلك الوباء الوحيد الذي يفتك بنا فأوبئتنا لا عد لها ولا حصر , فلماذا هذا التخصيص ؟ أجابني بعد أن أشعل لفافته : هذا صحيح ولكن اعلم إن هذا وباء الأوبئة وحاملها وحاضنها مما يتطلب إعادة بناء مفهوم الوطن وتمييزه عن الوطان بعد كل ما مر به وبنا من ماسي ونكبات .

الوطن لغة - كما جاء في المنجد- ( وطن : وطن يطن وطنا بالمكان : أقام به ) فالمكان يكتسب صفته من خلال فعل التوطن أي إن المواطنين هم من يمنح المكان صفته ولكن الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة قد استعبدت المواطن باسم الوطن فضيعت المواطنين والوطن , إما الأنظمة " الديمقراطية " فقد ضيعت الوطن باسم الهويات الجزئية لتضيع المواطنين والوطن , كلاهما قد جعلا من الوطن والمواطنين البقرة الحلوب التي تدر درا على الحكام و" الضيوف " والأصحاب بينما تقطر بالقطارة على عامة الشعب ( وعلى هالرنة طحينك ناعم ) .. انقطع التيار الكهربائي لنغرق في ظلام دامس اجبر هلكان على السكوت عن الكلام المباح .. إلى أن يدرك الشعب العراقي نور الكهرباء و الصباح .

ليست هناك تعليقات: