2011/01/11

((الكروسياسي)) و الوعي الكامن

بادئ ذي بدء نستأذن اللغة ، لنجمع بين الكرة والسياسة في مصطلح واحد أسميته ((الكروسياسي)) وأنا على وعي كامل بالتناقضات التي يحملها هذا الدمج ، وبالاعتذارات التي لابد من تقديمها إلى الرياضة وكرة القدم لانتهاكي عذريتها وبرائتها ، ولأضافتها عن طريق الإقحام على السياسة ، ولكن عذري في ذالك المثل القائل (عند الضرورات تباح المحظورات).

الرياضة هواية محايدة وجامعة ، كما أنها نزوع أنساني جميل إلى المتعة واللهو وكونها غاية لذاتها . لقد قرءنا وسمعنا ورئينا الكثير من العوامل المؤثرة والفاعلة في نشاط وسلوك الناس كالاقتصاد والايدولوجيا وما إلى ذلك من العوامل المسببة للصراعات . لقد سمعنا عن الامبريالية الرأسمالية ولم نسمع عن الامبريالية الرياضية مثلا. ولم تنتج الرياضة أسلحة الدمار الشامل، لتهلك بها الحرث والنسل ، ولم تخلق دكتاتورا أو قائدا ضرورة أو زعيما مفوضا من العناية الإلهية ليقتل من الناس أكثر مما تقتله أسلحة الدمار الشامل، أو مافعلته وتفعله الترسانة التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية بكل إمكاناتها الكافية لتدمير الأرض ومن عليها عدة مرات .

من هنا يأتي التناقض المنطقي بين الرياضة والسياسة . بين براءة ونبالة الرياضة وبين قذارة ووحشية الكثير من السياسة.السياسة التي من المفترض أن تكون أدارة الحياة ونشاط الناس بكل مناحيها بما يخدم ألإنسانية وبما يوفر لها الرفاه والحرية والكرامة والعدالة وجعل كل ما في الأرض من نعم وثروات ولذائد الحياة في متناولها.السياسة ، في العديد من وجوهها ألان ، صراعات على الكراسي والمغانم والاستحواذ على كل شيء ، الهيمنة والإثراء والوجاهة والوحشية مخفية حقيقتها العارية بشتى اللبوسات والذرائع .

أن الحالة الفريدة التي أوجدها الفوز ألأعجازي لمنتخبنا الوطني لكرة القدم بتسيده على أكبر قارة في العالم ومسيرته المراثونية القصيرة على مستوى الزمن والطويلة على مستوى المعاناة هو الذي أجبرني على هذا الإقحام .

أن فتية بنظارة الورد وبفواحة عطره قد دخلوا التاريخ ، وبعكس القوانين الطبيعية و((المنطق)) التي تقول أن الفريق العراقي سيخرج من البطولة من التصفيات الأولى لأسباب عدة منها ذاتية لأسباب تتعلق بالتدريب وضعف الاستعداد وأمور أخرى ، ولأسباب موضوعية تتعلق بظروف البلد وما يحيق به من خراب ودمار وانشقاقات داخلية وتدخل خارجي في شؤونه لم يشهد له التاريخ مثيلا من حيث الكم الهائل لهذه التدخلات ومن حيث إمكانياتها حيث الشعب يوميا يذبح من الوريد إلى الوريد وحيث تصبح فيه أدامه الحياة محل شك وريبه وسط كل هذا قام هؤلاء الفتية البواسل (أسود الرافدين) بكل البساطة التي يمتلكونها ليحققوا النصر العظيم ، وبذلك أضافوا عاملا فاعلا أخر يضاف إلى العوامل المؤثرة على النشاط الإنساني لأول مرة على ما أعتقد هو العامل الرياضي الكروي ، أي أنهم وضعوا الأساس لابتكار مصطلح ((الكر وسياسي)).

أنه ابتكار ستسجل ((براءة اختراعه)) باسم المنتخب الوطني العراقي لكرة القدم ، كما سيسجل التاريخ عظمة شعب تفاعل وساند منتخبه رغم الجراح البليغة مستخرجا وعيه الكامن ليخرج ((منتفضا)) عن بكرة أبيه ، هاتفا لهويته الوطنية العراقية ، وهاتفا للإنسان العراقي من حيث هو إنسان عابر للطوائف والاثنيات والتحزبيات، ولكل عناصر المشروع ألتدميري لهويته العراقية ولإنسانيته صارخا بوجه الكثير من السياسيين ، وبوجه المحتلين على تعدد أشكالهم كما صرح فيلسوف المعرة قبل قرون :

يسوسون الأمور بغير عقل فينفذ أمرهم ويقال سـاسـة

فأف من الحياة وأف مـني ومن زمن ((سياسته))خساسة

مع الاعتذار لأبي العلاء المعري عن تحوير البيت .

ليست هناك تعليقات: