2010/12/12

الطنطل وتحولاته

في " الطنطل لوجيا "

كثيرا ما حدثتنا عجائزنا عن الطنطل عندما كنا صغارا . وما زلت أتذكر الرغبة والخوف اللذان ينتاباني عندما أكون وحيدا ، أو في مكان مظلم ، من خطر بروز هذه الشخصية الأسطورية أمامي فجأة . لا أعرف
لماذا أستحظرت ذاكرتي ، من بين ذكريات الطفولة ، هذه الشخصية المرعبة وتوجسي منها والشعور الغامض الذي سيطر على تفكيري أن " للطنطل " علاقة ما بالأحداث الغامضة التي مرت وتمر بنا . حملت توجسي إلى العم هلكان بن تعبان العريان , علني أجد في حكمته ما ينير لي هذا الغموض , وما يوضح لي كنه هذا الطنطل العجيب الغريب .
أبتسم العم هلكان من علامات الاستفهام والتعجب المرتسمة على وجهي . عمد إلى لفافة التبغ. أصلحها ببطء وهو يسترق النظر إلي ليرى ازدياد لهفتي ورغبتي لسماعه , بعد أن أخذ نفس عميقا , قال : أعلم يا بن أخي أن ما تسالمت عليه عجائزنا , في شأن الطنطل , أنه طويل القامة . عيناه مشقوقتان بالطول . رجلاه خشنتان كرجلي القرد . له القابلية على التحول إلى أشكال مختلفة . يخاف من النور فلا يظهر إلا في الظلام ويختفي عند بزوغ الشمس . لا يظهر في الأماكن المزدحمة ويختار الأماكن المنعزلة . نقطة ضعفه سماعه كلمتا ( مخيط وخيط ) فيرتعب لسماعهما فيهرب .
توقف هلكان العريان قليلا عن الكلام . أخذ نفسا من لفافته . قال : سأروي لك حكاية شائعة عن الطنطل , لم تضعفها عجائزنا , بل اعتمدتها وقد تكون المدخل لمعرفة أحوال وأهوال الطنطل , وبداية لتأسيس علم جديد بعنوان ( الطنطل لوجيا ) لما للسلوك الطنطلي من دور كبير في كشف خبايا وغوامض الأحداث التاريخية , والصراعات السياسية والاجتماعية , والفلكلورلوجيا . وأليك الحكاية :
أن الطنطل يتواجد في الأماكن البعيدة عن العمران . يترصد من يجده منقطعا ليظهر له بصورة رجل مسن . ضعيف الصوت . محدودب الظهر . يتوسل إلى الرجل المنقطع لإغاثته وعدم تركه لمصيره , فما أن يتمكن من اعتلاء كتفيه حتى يتحول إلى صورته الحقيقة , لافا ساقيه على رقبة المنقطع, خابطا به خبط عشواء إلى أن يستنزف قواه . و أذا ما تمرد الرجل عليه لف ساقيه حول عنقه حد الاختناق . وبذلك يجبره على أطاعة أوامره .
أستطرد العم هلكان : ولو انتزعنا من أمهات الكتب أحشائها , منقبين ومحللين , نجد أن الطنطل يظهر بأشكال متعددة , وبأسماء متنوعة . فقد نسب إلى الجن مقتل سعد بن عبادة الغامض بقولها
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة
رميناه بسهم فلم يخط فـــؤاده
وقد نسب إلى أبن سبأ تأليب الجموع بعضها على بعض , وافتعال الحوادث التي أججت الصراع وجعلت الناس يقتل بعضهم بعضا , دون أن يبن لنا التاريخ كيف استطاعت شخصية نكرة أن تقوم بكل هذه المعجزات , بعد أن ظهرت بغتة على مسرح الأحداث . التحول الأخر هو السم المداف بالعسل الذي فتك بأكثر المعارضين خطورة حتى قيل " أن لله جنودا من عسل " .
ولو رجعنا إلى العهد السابق , فسوف نجد بعض الإحداث والشخصيات الطنطلية , كشخصية أبوطبر الذي أرعب العراق من أدناه إلى أقصاه , أو التحول على شكل " فنجان قهوة " أو " كأس عصير " يضيف بهما المستدعى إلى دوائر الأمن أو الدولة , ليموت بعدها خلال أيام موتا غامضا . صمت العم هلكان . بدا على ملامحه الوجوم بعد هنيهة أستطرد قائلا:
أعلم يبن أخي أني بحثت كثيرا , فيما وصل إلي من مدون أو شفاهي , عن سر الطنطل وحقيقته , فلم أجد مثلما نراه اليوم في هذا الزمن المعولم من غزارة وتنوع الشخصيات والإحداث الطنطلية وتخادمها وتناغمها ضمن قانون ( الوحدة والتناقض ) ويمكن لنا تسميتها اصطلاحا (طناطل العولمة ) .
أن الاستنتاج الذي يمكن الخلوص إليه أن الشخصية أو الحدث الطنطلي , هو الشكل الزائف للإحداث الذي يحجب الإغراض والأهداف الحقيقة عن العين فيختفي بانجازها وفق قانون ( مخيط وخيط ) , لتصبح في خبر كان . وكما قال الشاعر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
أن الطنطل سيظل على مسرح الإحداث مادام هناك كرسي حكم وحاكم ومحكوم وثروات مع انعدام التكافؤ والمساواة بين الناس . تساءلت : ولكنك لم توضح لي ماهية طناطل العولمة . أجاب بعد هنيهة . أعترف لك يا ولدي بقصوري عن فهم العصر الالكتروني المعقد , ولكنني أحيلك إلى البريد الالكتروني التالي , عله يشفي غليلك , ويوضح لك ما استعصى على أدركك . وهو
g.w.al-aben@nahbenko.com
أجاركم الله .
إلى هنا سكت هلكان عن الكلام المباح , إلى أن يدرك الشعب العراقي وفقرائه نور الصباح .

13\12\2007

ليست هناك تعليقات: