2010/10/26

احتجاج أشعب الطماع



قيل لأشعب الطماع: ما بلغ من طمعك؟ قال: لم انظر إلى اثنين يتساران إلا ظننتهما يأمران لي بشيء.
افتقدت العم هلكان لفترة من الزمن، فقد اختفى دون سابق إشعار أو إنذار، مما أصابني بالقلق عليه، وبالإحباط واليأس لافتقاده، فشعرت بأنني فقدت بوصلتي لحاجتي لاراءه السديدة. وعندما ظهر فجأة سبق عتبي عليه سلامي. أجابني معتذرا إن للضرورة أحكام. فقد وجدت نفسي كالكريم في مأدبة اللئام أو كالأطرش في الزفة، حيث إن حدثا غريبا قد استوقفني ليس من طبائع أهل ذاك الزمان المنصرم فقد انتشرت لافتات عريضة مصنوعة من جلد البعير في سكك المدن وأسواقها، وفي مضارب القبائل ومرابعها. مليئة بالشعارات المختلفة، وكأنها شعارات الحملات الانتخابية في زمنكم هذا. فسألت الناس عما حدث فاستغربوا سؤالي وأنكروا علي جهلي. واتهموني بالتقصير عن المتابعة. وعدم الاهتمام بمصالح العامة والخاصة والتغيير الشوروي الذي اجتاح البلاد والعباد. فاضطرني الأمر إلى البحث عن أهل الرأي، وبعد جهد جهيد وعنت شديد وصلت إليهم. فوجدتهم متقوقعين على أنفسهم وقد ضاعت أصواتهم ونقداتهم في ضجيج الهرج والمرج. فأعتزلوا مجبرين في انتظار الفرج. وعند الاستفسار عما جرى جاء الجواب: اعلم أيها السائل إن أهل زماننا قد علموا بما حدث في المستقبل من هبوب رياح الديمقراطية واجتياحها للولايات الدكتاتورية. فأجمعوا أمرهم على المطالبة بها حيث كان عندنا سلطان قد أباد الحرث والنسل. وقتل أحرارنا في المعارك أو قتلهم صبرا، ومن لم يقتله بذلك قتله هما. فكثرت عليه الثورات ولكنه أبادها بقسوة. فضجت العباد وتفرقت في البلاد. استجار بعضهم بإمبراطور الروم. الذي رفع شعار إغاثة الملهوف والمظلوم ولكن عينه على نخل وتمر بلادنا تحوم. فأطاح بالسلطان وأعلن أن لا بديل عن نظام الشورى، وهذا سبب ما تراه الآن من شأن الناس في الهرج والالتباس. حيث اخذ بعضهم يأخذ بخناق البعض. وانتشر بينهم القتل والتهجير المريع. فهذا مدافع عن قبيلته والآخر عن ملته. مكبرين الصغائر ومصغرين الكبائر، حتى صرنا بعضنا أعداء بعض وإنعزلت السكك في المدينة الواحدة. ولهذه الظروف المؤاتية نشط الكثير من الطفيليين. واندسوا في كل مكان وجماعة. وتلبسوا لكل حالة لبوسها فوصلوا إلى مجلس الشورى وأماكن النفوذ الأخرى فكثرت الولائم والعزائم التي وقتهم شر التطفل. وحصلوا على الدنانير الكثيرة بدلا من الدوانق والدريهمات العسيرة. مما نقلهم من طبقة التحايل والاستجداء إلى طبقة اللغف والاستيلاء. فأكلوا الأخضر واليابس. وقد تعاظم الصراع فيما بينهم مما دعا أهل الحل والعقد، والفك والشد، إلى الاجتماع وتدارس الأحوال والأوضاع. فاتفقوا، ولم يتفقوا، على التوافق وتقاسم المغانم والترافق فصاروا يشفطون كل شيء، لا يكلون ولا يملون، حتى مثلوا بالمنشار (صاعد واكل نازل واكل) مما حدا ببعض الطفيليين إلى الاجتماع وتدارس ما آلت إليه الأوضاع واتفقوا على أن يكون أشعب الطماع ناطقا باسمهم لما له في التطفل من صيت وباع فقدم باسمهم احتجاجه التالي الذي نشرته كافة وسائل الإعلام من شعراء جوالين, مداحين وهجاءين، ومن هم على الربابة عازفين:
استنادا إلى حقنا المكفول شورويا في التعبير عن الرأي. وبعد انتشار الانحراف الخطير. إن التطفل له جذور وثوابت منذ القدم توارثناها جيلا عن جيل، نشأ عليها صغارنا ومات وفاءا لها كبارنا فهي لا تتعدى أكلة لذيذة أو دراهم عديدة. فما أن يحدث طبخ أو شواء إلا شممناه. وقد أنشأنا خرائط وأسقطنا عليها إحداثيات الولائم والعزائم ونشرناها بين إخواننا، من اجل عموم الفائدة، مما يدل على تقدمنا العلمي. والينا ينسب علم المساحة. هدفنا الوحيد أكلة لذيذة أو كسوة بسيطة أو دوانق معدودة لنذهب بعدها إلى بيوتنا قريري العيون. إما ما حدث من اجتهاد الكثير من أصحابنا في التصدي للشأن العام وهو انحراف غير مقبول حيث أن الطمع في نفوسنا غريزة مركوزة والأخذ بدون بذل أي جهد أو عطاء طبيعة مشهودة. وإذا ما وصلنا إلى مراكز القرار تخرب البلاد ونثير علينا العباد. لذلك فأننا نعلن براءتنا من أفعالهم وعليهم وحدهم تحمل وزر أعمالهم.
احتسيت الشاي الذي قدمه هلكان وانتظرت تمام المقال وما آلت إليه في الماضي الأحوال. فنظر إلي نظرة مفادها أن اللبيب من الإشارة يفهم ثم سكت عن الكلام المباح.

ليست هناك تعليقات: