2010/10/26

ديمقراطية القطط السمان



عندما كنت شابا لم يكن هناك شيء أحب ألي من حارة ( حوش قدم ) التي تقع في حي (الغورية ) القديم رغم إنني لم أرها و لكن لما تحمله من معاني . كذلك لأنها احتضنت رموزا انتميت إليها وجدانيا وفكريا. وكان من بين هذه الرموز الشيخ إمام عيسى والشاعر احمد فؤاد نجم .
هناك حبل سري واحد يربط مابين الفقراء والإنسانية المعذبة عبر العالم وان اختلفت ثقافاتهم وأجناسهم وأديانهم . ليس غريبا أو مصادفة أن تحتوي غرفة بسيطة الشيخ إمام حيث يسهر معه الشاعر نجم , والرسام التلقائي محمد علي , والمثال محمود اللبان , مع أعداد من العمال والطلاب والمثقفين كل يوم , تحت صورتين كبيرتين لجيفارا , الثائر الأممي , وأبو علي أياد . كانت سهراتهم ورشة عمل تناقش الهموم المختلفة للناس والوطن والسبل الكفيلة للخلاص .
ثقافة ( حوش قدم ) كانت الثقافة المضادة لثقافة الصالونات والأبراج العاجية ولثقافة القمع والأنقماع بكل أنوعها وألوانها. كما هي أيضا مضادة للثقافة المزيفة للقوى المتعارضة مع النظام. لقد أدركت هذه الثقافة بشكل مبكر جدل الوحدة والتعارض بين هذه القوى كما أدركت بعفويتها وحدة الايدولوجيا السائدة مهما تخالفت وتصارعت عناوينها, لذا شملت بنقدها الجميع : أيدلوجية النظام القوموي وأجهزته وسياساته كما انتقدت البدائل الأخرى بأيدلوجياتها المختلفة التي تحرف المسار الحقيقي للصراع لتعيد إنتاج أنظمة القمع والاستغلال والظلام تحت مسميات ولافتات أخرى . لقد فضحت بجرأة فائقة فشل هذه القوى في كسر حلقة التخلف بل وفضحت تبعيتها واندراجها في المشروع الامبريالي .
لست في صدد كتابة دراسة عن ظاهرة إمام - نجم, إنما أردت أن الجأ إلى الخلفية التاريخية للأحداث التي تشهدها مصر الآن لاستخلاص الخطوط الرئيسية لهذا التحرك ومحاولة استشراف آفاقه , حيث يعاني من حصار شرس وعلى كل المستويات , كما عانت ظاهرة إمام – نجم , حيث تحالفت ضدهما بشكل أو بآخر كل الأطراف المتصارعة لأنها تطال مجمل نظام الاستغلال والقهر والتبعية وهذا ما يحدث الآن بتحرك عمال المحلة الكبرى .
إذا صح إن التاريخ يعيد نفسه فان القوى المتعارضة مع النظام قد تنصلت بحجج متعددة ومضللة منها إن أهداف هذا التحرك غير معروفة أو عدم معرفة القوى التي تقف وراءه وما إلى ذلك, رغم تعارضها وصراعها مع الشريحة الحاكمة من طبقة القطط السمان . إن تحرك عمال جماهير المحلة الكبرى هو الابن الشرعي والامتداد العظيم للتجربة الثرية للكفاح الذي عبرت عنها الظاهرة التي مثلها الشاعر والمغني , وهو مثلها يطال الايدولوجيا السائدة بمجملها من دون استبدالها بايدولوجيا جديدة تعيد قولبة وتسخير التحرك الشعبي الواسع لصالح إعادة إنتاج نظام قمعي جديد له رموزه وزعمائه ومكافحيه الذين سيطالبون بثمن باهض مقابل خدماتهم ‘‘وتضحياتهم ’’ لكي يحولوا الناس إلى عبيد مصفقين لأصنام جديدة .
الشيء الأكثر أهمية إن هذه الأحداث قد وضعت الايدولوجيا النيوليبرالية ومسوخها المحلية - على اختلافها وتضاداتها - على المحك وأبرزت طبيعتها الدكتاتورية والوحشية فكانت هراوات ورصاص نظام القطط السمان الموجهة إلى صدور المضربين والمحتجين لا تختلف عن هراوات التبريرات التي قدمتها القوى المتعارضة مع النظام حيث اختفى جدل التعارض لصالح جدل الوحدة في مواجهة المشروع الكفاحي لعمال المحلة الكبرى حيث قرأت جيدا انه سيطال النظام القمعي برمته .
هذه الكلمات ليست تضامنا مع عمال وشعب مصر فقط ولكنها تضامن مع أنفسنا نحن ضحايا " الفوضى الخلاقة " في العراق كما انه تضامن مع كل ضحايا هذه الفوضى المجرمة في كل مكان .
ما يمكن استشرافه واستخلاصه من هذه الأحداث إن عمال المحلة الكبرى وعمال مصر قد يكون لهم شرف الريادة في صنع التاريخ .

ليست هناك تعليقات: