2010/12/12

أزمنة "الريم"

الحكاية الرابعة لهلكان العريان

الشاي ولفافة التبغ , لا يمكن فصلهما عن شخصية العم هلكان , كما هي أيضا النظرة العميقة التي تجدها في عينيه المحتفظتين بصفائهما وبريقهما النافذ رغم تقادم الزمن وصروف الدهر التي تخللت عمره الطويل تقاطعت نظرات العم هلكان , مع الأبخرة المتصاعدة من "قوري" الشاي أطال النظر طويلا .. أردت فك الاشتباك .. هيه يا عم (شايك خدر) .
أعتذر مني عن حالة شروده , بعد أن ملأ أقداح الشاي , قال : كنت أقلب الفكر فيما وصل إلى مسامعي من حكاية المواطن(تعبان و ريمه) بعد أن جار عليهما الدهر , بعد "التحرير" , كما جار عليهما قبله , وكما قال المثل الشعبي (تيتي تيتي , مثل ما رحتي اجيتي ) , ليصبحا في رمشة عين مطاردين ومطرودين من شوارع ألمدينه وأزقتها و ساحاتها , لترتفع بدلا منهما رايات "النصر" المتعددة الألوان , ولا ندري من انتصر على من ؟
فما زال تعبان و ريمه يعيشان على هامش المدينة ,وهما ينشدان

عدنا و عادت حالنا الراكدة
يسألنا التاريخ ما الفائدة

"الريم" لا يمكن لها أن تعيش حرة فبعد أن كانت تطرق الفيافي و الوديان , و مرابع الأنس والجان , أجبرت على ترك الشوارع لصالح السيارات "الحديثة " التي تصدر ألينا من" مقابر السيارات و مزابلها "
من بعض الدول الصديقة و الشقيقة بأنواعها المختلفة , ولا فرق إن كانت "ستيرن يمنه أو يسره" حيث لا فرق بين اليسار واليمين في هذا الزمن الرمادي , مادام الجيب يمتلأ بالمال . كما اجبر تعبان على ترك داره ألمستأجره بعد التصاعد الجنوني في الأنفجارات والتهجير , وبدلات الإيجار, وحملات الأعمار ليسكن متجاوزا على أملاك الحكومة , والملك لله , ويرتكب الإثم بفعلته الشنيعة – أطال الله عمر غوار الطوشي – الذي ابتلع ليرة قد سرقها , ليخفي فعلته , ولكن الأشعة ألسينيه , كانت له بالمرصاد , في الوقت الذي عجزت فيه عن كشف الملايين المبلوعة من قبل "أبناء الأجواد" على اختلافهم .
من اجل حل " إشكالية " المطاردة هذه تصالحت الريم مع تعبان على أن يرفع نصف كراسيها ليحوله إلى مسكن , له ولعائلته , مقابل أن يوفر لها متعة السير في الشوارع , بين ألفينه و الأخرى , عند حضور مفارز مطاردة المتجاوزين المسلحة .
صمت العم هلكان طويلا . تشاغل بإصلاح لفافة التبغ بأناة . بعد أن اخذ نفسا طويلا , جاءني صوته هادرا ليمزق سحب الدخان : يبدوا أننا نعيش كذبة كبرى منذ بداية التاريخ فما قيمة القيم و (الخطابات الكبرى) وكلما نسجته البشرية من مماثل إذا كان هنالك إنسان جائع أو خائف أو بلا سقف يؤويه و أطفاله ؟ ما قيمة هذه اذاما مات طفل أو شيخ لأنه لا يمتلك ثمن الدواء الذي ينقذ حياته ؟ ما قيمة كل هذه الأشياء إذا كان هناك هولاكو في كل عصر يحرق شارع المتنبي ويرمي رماده في نهر دجله ؟
ما قيمة كل شئ و محاكم التفتيش ما تزال تلاحق "غاليلو " في كل زمان ومكان ؟ ما قيمة ....و هنا سكت هلكان عن الكلام المباح
إلى أن يدرك الشعب العراقي و فقراؤه نور الصباح .

ليست هناك تعليقات: