2010/10/26

مشاهد من الزمن الجديد -5-





الفصل الديمقراطي

الفصل بلهجة القبائل والعشائر هو الدية التي تعطى تعويضا عن أي ضرر , من فصل القتل إلى فصل الضر .. حيث إن السواني – وهي تقابل المواد القانونية - لم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وقد وضعت لها تعويضا ماديا أو معنويا . وقد يكون الفصل ( حرمة ) أي امرأة أو أكثر , ومن هذا المعنى جاءت الأغنية الشهيرة ( الفصلية ) والفصلية هي المرأة التي تمنح ( فلاحة ملاجة ) إلى أقارب المتضرر وليس لها حقوق , كما لا يحق لأهلها الدفاع عنها . وعندما أسقطت الديمقراطية علينا ( ببرشوت ) مع الأسلحة المطلية باليورانيوم المنضب ( طحنة ما بين حانة ومانة وضاعت الحانة ) . فالبسطال الأمريكي لا يرضى بغير ديمقراطية أبو غريب , والقتل غير المتعمد للآلاف من العراقيين مصحوبا بالاعتذار والأسف لذلك . ولا نحن نرغب بالتخلي عن عاداتنا وسوانينا لذا فقد فصلنا أمريكا عن خسائرها بمشروع قانون النفط ومشروع المعاهدة الأمنية الطويلة الأمد . كما يقول بعض المغرضين إن الفصل الديمقراطي دخل في كل شيء , واستعملت سياسة أعطيني أعطيك وقاضيني أقاضيك - وهي تشبه لعبة حية ودرج - كما يحدث ألان في ماراثون قانون انتخابات المحافظات . ويقال إن السيد ( دي مامستورة )قد اقترح مشروع قرار ( كركوك مقابل النفط للعراق ) تحت البند السابع ومضاعفاته , كفصل للأكراد مقابل اضطهاد النظام البائد لهم . علق أحد الشوفينيين ( بس لا يروح العراق فصلية ) .

الحنة
الحنة أو الحناء هو نبات تعجن أوراقه وتوضع في يد العريس وتحنى به يدي ورجلي العروس . كما إنها توضع على أبواب أضرحة ومقامات الأولياء وفاءا للنذر . ويروي لي أحد المطلعين على أسرار الفراشين العاملين في عيادات الأطباء , إن بعض الأطباء غير المعروفين, قد طلبوا من فراشيهم طلاء أبواب عياداتهم بالحنة حتى يوهموا السذج من المرضى بأن هذا الطبيب مبروك ( وسره باتع ) فيتكاثرون على عيادته للعلاج والتبرك . وقد اقترح منظمو الحملات الانتخابية على السادة السياسيين أن يخضبوا رؤوسهم بالحنة لضمان إقبال الناس على انتخابهم في الدورات الانتخابية المقبلة بعد أن أثبتت تجارب الأطباء فاعلية ونجاح هذا الاختراع. علق أحد الظرفاء بأننا قد أضفنا إلى التجارب العالمية تجربة جديدة هي تجربة ديمقراطية الحنة . وأعتبرها أحدث موديلات الديمقراطية وأكثرها صلاحية للشعوب والدول .. وحنة يحنة يعيني ياقطر الندى .
دعاية انتخابية
يلعب ( الحرمل ) دورا كبيرا في حياة الشعوب . ويروى عن فاعلية الحرمل أنه سلاح فتاك مضاد لسلاح الحسد . والحسد ينطلق من فوهة العين ولا يحتاج إلى تطبيق الفرضة على الشعيرة في التسديد حيث يروى عنه الكثير من الحوادث التي تشيب لها الولدان , وتقشعر منها الأبدان . ولكل هذه الأسباب فقد شاع استعمال الحرمل , وقت الغروب , لطرد العين . ويروي لنا بعض الذين لديهم تصاريح لدخول المنطقة الخضراء , إن رائحة الحرمل تسود بلا منازع في جميع مبانيها . وقد علل الأكاديميون المتخصصون بعلم الحرمل في الجامعات العراقية , ومراكز البحوث الحرملية , انتشار هذه الظاهرة في المنطقة الخضراء ومن ثم إلى أنحاء البلاد المختلفة , هو خوف المسئولين من الحسد , بعد أن توردت خدودهم بشكل لافت للنظر . ويشاع إن المفوضية العليا للانتخابات قد أضافت شرطا يجبر المرشحين على شراء مناقل مليئة بالحرمل أثناء جولاتهم الانتخابية حيث اثبت خبراء الانتخابات إن الحرمل لا يقي من الحسد فقط , وإنما يجلب الفال الحسن للمرشح , ويزيد من حظوظه في حصد اكبر عدد من الأصوات .

مشاهد من الزمن الجديد -4-




حدث في العراق
كان ذلك في ظهيرة يوم قائض من أيام تموز ( اللي ينشف الماي بالكوز ) . الشمس اللاهبة تخترق حتى العظم . فجأة سمع السادة المسئولون وممثلو الشعب والأقرباء والأحباء والأصدقاء ألمتعددي الجنسيات من سكان المنطقة الجرداء سيارة بيع الغاز المخصصة لإغراض البطاقة التموينية , فهرعوا وهم يحملون قناني الغاز الفارغة أو يدحرجونها على أسفلت الشارع ( المحفر ) والكل يريد أن يكون في ( أول السرة ) . جاء السائق مهرولا والعرق يغمر جسده فصرخ بهم : لماذا تصطفون خلف السيارة والمختار غير موجود ؟ من يوزع عليكم الغاز ؟ انطلق مسرعا بسيارته بحثا عن بيت المختار . حمل الجميع قنانيهم وهم يركضون وراءه . وبعد تكرار هذه الحالة المأساوية تداعى السادة النواب إلى اجتماع ( حار بحار ) تحت أشعة الشمس الحارقة ليسلقوا مشروع قانون حول إلغاء فترة الظهيرة , بيد إن الاختلاف والخلاف أشتد حول تحديد وقت فترة الظهيرة , وكادت المشادات الحادة تصل إلى ما لا يحمد عقباه . أستخدم احدهم نقطة نظام بأن النصاب لم يكتمل بسبب سفر معظم النواب إلى المناطق الشعبية للاطلاع على أوضاع الرعية ولكن النصاب لم يكتمل لحد اللحظة الراهنة . لقد نسي السادة النواب أنفسهم وهم يطوفون المدن والأرياف بحثا عن مصالح الشعب .
حدث أيضا
الإحياء التي يسكنها الشعب تسمى الإحياء الخضراء , لكثرة حملات الأعمار التشجيرية وتنوع الأشجار في الجزرات الوسطية وفي الحدائق الغناء . اقترح احدهم - على عادة العرب في إطلاق لفظ السواد على الخضرة الكثيفة - تسميتها بالإحياء السوداء . جاءت سيارة الغاز التموينية لتوزع الغاز ( بلاش ) ولكن بعد أن بح صوت المختار وهو يصيح غاز .. غاز ( بلاش ) للشعب . لم يخرج احد من الشعب من بيته . أمر المختار السائق بإطلاق صوت المنبه ( الهورن ) على نغمة غاز .. غاز مصحوبة بموسيقى الخشابة . ما إن فعل السائق ذلك حتى أطلت الكثير من الوجوه الغاضبة وهي تهددهما بمقاضاتهما أمام المحاكم بتهمة إقلاق راحة الشعب ( الخدران ) من تبريد ( السبالت ) أو المكيفات . سألهم المختار عن مطالبهم , فجاءت أصواتهم ( باردة بعد أن جرشهم البخيخ ) مطالبين بطريقة غاز الأنابيب . في اليوم التالي كانت الإحياء الشعبية قد امتلأت بأنابيب الغاز السائل وقد اخترقت أحشاء البيوت .

مشاهد من الزمن الجديد -3-



ذو الشهادتين
قد يتبادر إلى ذهن المولعين بالتاريخ إن هذا العنوان ينتمي إلى فترات زمنية من الماضي السحيق كالطاعن بالرمحين والضارب بالسيفين وما إلى ذلك . غير أن هذا ينطبق على واحد من مئات الآلاف من الخريجين , سواء الذين فاتهم القطار أو الذين سيفوتهم , فعجلات قطار حملات الأعمار تسحق دائما ذوي الشهادات عدى ذوي القربى , بشفافية ديمقراطية , لتستبدلهم بأصحاب الكفاءات العائلية أو العشائرية أو الحزبية وما شابه ذلك من علاقات ‘‘ صلة الرحم ’’ حتى ولو كانوا من الأميين أو أنصاف الأميين ومزوري الشهادات . قصة صاحبنا هذا أنه يحمل شهادتين مطلوبتين في حملات الأعمار بشدة . وقد غمر صاحبنا الفرح بكثرة مشاريع الأعمار وطلب أحد المسئولين لإخوتنا في مصر لتجهيز مليون عامل ( سبير ) لسد النقص في العمالة فأخذ يتدلل على المسئولين ويتدلع عليهم ولكنه لم يرى احد منهم يطرق بابه . عزى ذلك إلى انشغالهم , كان الله في عونهم , بحملات الأعمار الانفجارية والرحلات المكوكية , حتى أنهم لم يجدوا مجال لحلاقة لحاهم التي طالت وتشعثت . فعذرهم وقال في سره , كافي دلع . دخل إلى إحدى الدوائر بشفافية وقال : أني حاصل على شهادتين أعماريتين وارغب في العمل . فأجاب الموظف : راجعنا كل عشرة أيام . ومنذ ذلك اليوم وصاحبنا يلف على الدوائر وهو يغني ( ماكو عقد لا تعيين ) وهي من الطور الملائي وهو من أطوار الغناء . إما سبب تلقيبه بذي الشهادتين لكثرة تكرارها عند مراجعة الدوائر . علق احد الظرفاء : لا فرق في صلة الرحم بين النظام الدكتاتوري والنظام الديمقراطي .
تحت موس الحلاق
من المتعارف عليه إن الحلاق متهم بكثرة الكلام أو الثرثرة , إلا إن الوضع قد تغير , حيث إن الحلاق هو الصامت الآن بينما يثرثر الزبائن . وقد حلل ذلك التغير احد المحللين المختصين بعلم الثرثرة بأن العراقيين قد أصبحوا كثيرو الكلام بعد أن ابتلعوا ألسنتهم طيلة حكم جمهورية الخوف وعزى طبيب نفساني ذلك إلى الانتقال الحاد والمفاجئ من حالة الصمت الدكتاتوري إلى حالة الثرثرة الديمقراطية . كنت أنصت إلى الجدال المحتدم بين الجالسين عن سوء الأوضاع الخدمية والبطالة وهيمنة الفساد المالي والإداري والمحسوبية والمنسوبية . ثار احد الجالسين على الحضور وألقى خطبة عصماء عن فضائل الديمقراطية واتهم الحاضرين بتأييد الدكتاتورية لانتقادهم الحكومة . قال بحماس إن الشركات الأجنبية ستصل قريبا بعد إصلاح ( البناﭽر ) في عجلات قطار العولمة حيث ستمطر علينا سماءها ملايين فرص العمل والدولارات . سكت القوم بانتظار ( غودو ) علق احد الظرفاء : هل يعقل أن يتم بناء أمة في ظل هكذا مقاييس ؟!