2011/02/15

كي لا نتعفن

لكل شيء حكمته , فالحكمة لا تقتصر علينا نحن البشر , بل إن لكل شيء منطقه . الم ترى حيوانات كليلة ودمنة وحكاياتها الحكيمة ؟ الم تسمع حكايات جداتنا عن الحيوانات الناطقة التي تبدأها ( يقولون إن الحيوانات قبل تتكلم ) ؟ تداخلت مع العم هلكان , وهل تصدق هذه الخرافات والخزعبلات ؟ أجاب : أزيدك من الشعر بيت , فالأشجار أيضا تتكلم , بل إن كل شيء في الطبيعة يتكلم . أثار هذه المداخلات مسألتي للعم هلكان عن سر استنقاع الماء الراكد وتعفنه في المستنقع, وعذوبته في الأنهار , ونوعه واحد . قال : أعيدك إلى ما ابتدأنا به الكلام , بان لكل شيء منطقه , ولكن المنطق لا يشتغل إلا في الحركة والتجدد والتغير , فالثعبان يجدد جلده البالي ويطرحه . قاطعته : لكن حتى المستنقع فيه حركة , وإلا من أين جاء العفن ؟ أجاب : الحركة يحددها التجدد والتغير والتحول والوعي والفعل النقدي , وإلا فسوف تكون حركة دائرية لا تنتج سوى بكتريا العفن التي تقتل الحياة .. اترع هلكان قدحين من الشاي , لي وله , فأختلط البخار المتصاعد من القدحين بدخان لفافته .. لقد افتقدنا وجيه عباس و ( نصب حريته ) بعد أن استعضنا عن صوت فيروز بصوته كل صباح وهو يطارد " فرسان " سوف وأخواتها ومثيلاتها من حروف التسويف وكأنه ينشد مع ( احمد فؤاد نجم ) ‘‘ ياواد يايويو .. يمبرراتي ’’ فاضحا بالدليل القاطع " جرمهم المشهود " وخشينا من منعه بعد ما منع زميله فائق العقابي من ( سوالفه ) ليجعلوه ( يسولف ) في صقيع جبال كردستان الشاهقة , ظنا منهم إنها ستصل باردة إلى المناطق الساخنة المكتوية بلهيب جحيم مافيات السلب والنهب . بعد هذه المداخلة ( المعاصرة ) رجع هلكان إلى منطقه .. اعلم إن الأشياء جميعها – في سالف الزمان – تتكلم ويتفهم بعضها البعض وتتعايش بحب وانسجام إلى أن ظهر الذهب وسلطته , وما جرى باسمهما من فضائع ضد الناس والحيوانات والطبيعة , منذ ذلك الوقت فقد الإنسان منطقه وتحول إلى عجماوات ترطن , غير إن الأشياء الأخرى احتفظت بمنطقها , وهي تأسف كثيرا على ذلك الإنسان الجميل الذي فقد منطقه . إن ما نعيشه – منذ ذلك اليوم – هو الخرافات والخزعبلات بسبب افتقادنا لمنطقنا.

حتى لا نتعفن , دعوا العقابي وعباس والناس ( يسولفون ) تحت نصب الحرية فهو الأمل الوحيد لنا كي ما نستعيد منطقنا وننهي هذه الرطانة . وفيما هو يتأمل في استعادة ذلك الزمن السعيد , سكت عن الكلام المباح إلى أن يدرك الشعب العراقي وفقرائه نور الصباح .

ليست هناك تعليقات: