2011/01/11

طبقة الأوزون العراقية

على سطح الذاكرة المتعبة , طفت نكته طالما أضحكتنا عندما كنا في مقتبل العمر مفادها أن كذابا بارعا تحدى من ينافسه على لقب ( الكذاب الأكبر ) وحتى يكتسب الشرعية , فقد نظم استفتاءا ديمقراطيا في المحلة , ولكونه ( شقاوة المحلة ) ويده والسكين كما يقال , كما أن له عصابة كبيرة تأتمر بأمره , لذا فقد جاءت نتيجة الاستفتاء لصالحه بنسبة 99.99% المعروفة والشائعة في ديمقراطياتنا العربية والمعبرة عن خصوصيتنا وليست كما في الديمقراطيات الأوربية المزيفة التي يشقى فيها المرشح ويكدح حتى يسيل عرق جبينه ويفرغ جيبه من النقود على الإعلانات والندوات التلفزيونية , وشراء الذمم للشرائح الاجتماعية الممكنة بوعود عرقوبا أخاه بيثرب , وإذا حصل على نسبة 50% من الأصوات , أفتخر ولا فخر على كل من حضر وغبر وحكم وأمر من البدو والحضر والعرب والعجم والبربر , بفوزه التاريخي الذي يحصل في العمر مرة أو لا يحصل , وعذرا فكلمة التاريخي لا يستعملها الأوربيون وأن كانوا يفعلونها في الواقع , والإنسان أبن بيئته كما يقولونه علماء الاجتماع وقد أثرت في هذه الكلمة كما أثرت في غيري , وانطبعت في ذاكرتي منذ الصغر , والتعلم في الصغر كالنقش على الحجر كما يقال , فمنذ صغرنا وكل شيء عندنا تاريخي , حتى دخول الزعماء والقادة إلى الحمام , إلى أن أصبحنا وأمسينا لا نعرف من معنى ( التاريخي ) سوى شيء واحد , فإذا كان هناك شيء تاريخي , فأن مصيبة أو عدة مصائب ستقع على رؤوسنا ورؤوس من خلفونا .
المهم غير أن الفرحة لم تكتمل رغم أن الناس قد زينوا المحلة ورفعوا صورة ( الكذاب الأكبر ) في كل مكان ليطالعنا بنظراته الصارمة وكأنه يذكرنا ويهددنا دوما . غير أن أحد ( البايعين روحهم ) أفسد عليه متعته وزهوه مخبرا إياه عن وجود ( كذاب أگشر ) كما نسميه باللهجة العراقية , يسكن في المحلة المجاورة .
استثيرت كرامة صاحبنا وأصر على اصطحاب عدد كبير من الشهود ليشهدوا له بالفوز المحتوم, عندما يناظر ( الكذاب إلاگشر ) في مناظرة تلفزيونية تتفوق على مناظرة السيدين ( بوش و كيري ) الشهيرة في الكذب على الشعب الأمريكي والعالم بأنهما يختلفان في تأييد أو عدم تأييد قانون (( تتهيب العراق )) والحمد لله الذي نقلنا إلى الزمن الأمريكي , والذي لا يحمد على مكروه سواه .
بعد أن أذاع الكذاب الأكبر بيانا شديد اللهجة متوعدا المحلات المعادية بالويل و الثبور وعظائم الأمور, مبشرا محلته بالنصر الكبير كما انتصرنا في أم المعارك وحرب حزيران عام 1967م. ثم سار أخونا ومن معه من الشهود إلى المحلة المجاورة طارقين باب منزله ليخرج لهم فتى في مقتبل العمر سائليه عن أبيه فأجاب : لقد حدث فتق في السماء وذهب أبي لرتقه . فما كان من الكذاب الأكبر ألا أن بهت وسكت فقد كان الفتى (( أضرب )) منه ومن أبيه .
كانت قوة النكتة في استحالة أن يحدث شرخ في السماء إلى أن جاءتنا الرأسمالية المعولمة بإحدى انجازاتها عندما شرخت وثقبت طبقة ألأوزون بفعل الاحتباس الحراري , لتندفع لنا من ذلك الثقب الأشعة الضارة رافعة درجة الحرارة المرتفعة عندنا أصلا في الوقت الذي نشهد فيه دخول الكهرباء عندنا متحف التاريخ , ألا من سويعات قليلة لتذكرنا بنفسها بين آونة وأخرى ((كي لا ننسى )) مع الاعتذار لبرنامج بهذا الاسم كان يعرضه التلفزيون العراقي , بعد انتهاء الحرب العراقية ألإيرانية باستمرار ليذكرنا بالموت والدمار والأشلاء المقطعة وما تعرضه ألان الفضائيات بتشف لأوصالنا التي تتفجر هنا وهناك وكأن الموت لعنة فرعونية حلت علينا ولا مناص منها , مادامت سود وقائعنا وحياتنا وحمر مواضينا و أشداقنا وما دمنا نصفق , هذه العادة اللعينة التي تعودنا عليها , حتى أن أحد الخبثاء ذكر لي أنه أبتلي بمرض خطير فهو يصفق كثيرا في نومه بل ويهتف رافسا الأرض تحت رجله وكانت الأرض زوجته المسكينة , مسببا لها (( البهتة والخرعة )) مما اضطرني إلى استدعاء ما قرأته من علم النفس لأثبت له أن كل من يمارس عملا روتينيا وكريها باستمرار ينعكس في المنام كأضغاث أحلام .
قال لي صاحبي (( على الخبير سقطت )) ويبدوا أنه قد ذهل من معلوماتي الطبية وطالبني ((بوصفة )) علاجية لإنقاذه من هذا المرض . أجبته علاجك الوحيد ياصاحبي أن تمتنع عن التصفيق والهتاف . وهنا وجم صاحبي وأرتعب قائلا هل تريد أن ترمل زوجتي وتقطع عيش أطفالي ؟ فسوف أصنف في خانة أعداء الثورة وأنت تعرف ما لذي يحصل لهؤلاء .
ويبدوا أن رائدة الحرية في العالم , أمريكا قد سمعت بحكاية صاحبي عندما صرخ ( وابوشاه ) فجيش جيوشها وعزمت على تحرير صاحبي من البهتة والخرعة والقطع المبرمج للكهرباء والحياة بعدما حاصرته ومعه مواطنيه طويلا , ومنعت عنهم السلع والمواد (( المزدوجة الاستعمال )) ومن جملتها الدواء والبطيخ وأبر ماكنة الخياطة والماء الصالح للشرب ولكن بدل من القطع المبرمج للكهرباء ( طارت ) الكهرباء وبدل من القطع المبرمج للحياة جاءتنا بالقطع المبرمج وغير المبرمج للحياة حيث نتحول إلى أشلاء في أي مكان و زمان , سواء بسيارة مفخخة أو طلقة طائشة أو قنبرة هاون أو نيران صديقة عن طريق الخطأ . فبدلا من الشعب الواحد , وأن كان بالقسر لا بالرضى وبالتسلط وألاخضاع لا بالإقناع , وتحولنا إلى شعوب وقبائل حسب وصفة السيد بريمر لا لنتعارف ولكن لنتقاتل ليذبح بعضنا البعض على الهوية والجنسية وشهادة الجنسية المدققة بالختم المثلث سابقا أو الفسفورية حاليا أو البارافسفورية مستقبلا وعلى غير ذلك, فقد تعددت الأسباب والذبح واحد . ويبدوا أن الوصفة الرأسمالية المتعددة الجنسيات كانت لعينة فقد فجرت فينا كل ما هو قبل المدنية والدولة الحديثة , ودفعته إلى أقصى مدياته , محدثة ثقوبا كبيرة في طبقة الأوزون العراقية مهددة النسيج العراقي الاجتماعي بالتمزق حتى صار الوضع من الخطورة بمكان . وكعادتنا ألقينا اللوم كله على المحتل البغيض باعتباره متخصصا في ثقب طبقة الأوزون والعياذ بالله , فقد سحرنا نعوذ بالله وجعلنا نساهم معه في أفعاله المشينة مساهمة فعالة وأخذ بعضنا يهدم بيت الأخر لمجرد كونه ..... الأخر .
لقد قامت الرأسمالية المتعددة الجنسيات بأخذ المواد الأولية من نسيجنا وصنعتها ووضعتها في مرجل كبير , بما لها من خبرة عميقة وطويلة , انبعثت وتنبعث منه الغازات السامة من طائفية وعرفية وعشائرية ونفط - غازية ( نسبة إلى قانون النفط والغاز ) ووووووالله أعلم بما سيأتي .
أننا بحاجة إلى (( معاهدة كيوتو )) عراقية لتخيط ثقوب الأوزون العراقي العديدة التي حدثت بشرط ألا تكون كاذبة ووهمية كمهمة (( الكذاب إلاگشر )) الذي ذهب ليخيط فتوق السماء .

ليست هناك تعليقات: