2010/12/12

الخوف من " النظام "

الصخب أو "الهوسة" سمة ملازمة لنا في كل شيء نحن العراقيون . في الحب كما في الكره , في السلم كما في الحرب , في الأفراح كما في الأحزان . ضاع صوت العم هلكان في ضجة أصوات الباعة المنادين وضجيج السيارات وزخات من الرصاص لم نعرف مصدرها ولماذا أطلقت . عادة ما كنت أزوره في بيته ولكنني اقترحت عليه اليوم أن نتجول في شوارع المدينة الصاخبة ... اخترت مكانا للاستراحة في مقهى صغير يقع على مشارف تقاطع شارعين صاخبين . كان استقبال (القهوجي) له حارا وسرعان ما كان الشاي (المخدر على الفحم) أمامنا . الود الظاهر بين الرجلين يوحي بعمق العلاقة فيما بينهما , رغم إنهما من جيلين مختلفين . هل يكمن السر في اسم (القهوجي) حمد العراقي , رمز العراقي الكادح ألمليء بالغيرة و النخوة والذي خلده مظفر النواب في (ألريل و حمد) و قصائد أخرى أم للبساطة والألفة و التلقائية – وهذا ما يعشقه هلكان – التي تميز الشخصية العراقية الكادحة .. ما قبل التلويث ؟
قاطع تأملاتي مستأنفا ما أنقطع من حديثه .. لقد هالني هذا الكم الهائل من الصخب الذي يسود حياتنا , بل ما هالني أكثر اندماج الناس فيه وكأنه جزء منهم أو هم جزء منه . لمح علامات ألاستفهام التي غمرتني فقال : لا تستغرب , ففي هذا مكمن الخطر .. فمنذ أن أسقطت الحضارة السومرية الرائعة , أسلحة المحاربين بكل همجيتها ونحن نعيش تحت رحمة أنظمة ألصخب و فوضاها . أنظمة الفوضى الصاخبة , إلى يومنا هذا , تتحكم في كل شيء وتحوله إلى فوضى منظمة , حتى صرنا نخاف من النظام ونجد أنفسنا في خرقه وتحديه . ‘‘ثقافة السيف والخيل و البيداء’’ لا تنتج سوى قيم الغلبة و ألاستحواذ و ضيق ألأفق و الوحشية . الفوضى أصوات نشاز متنافرة تلزمك القيء و المرض وتنتج الشخصية المتوحدة , وليست المتفردة, القطيع وليس الجماعة . التوحد ينتج ألأنانية والقسوة والقطيع تجمع المتوحدين التي لا يربط بينهم رابط سوى تعظيم الأنانية الجمعية و تعظيم قسوتها . ليس له أهداف بقدر ما هو دفع غريزي للخوف و شعور خادع ''بالطمأنينة'' , و الهرب من تحمل المسؤولية عن ألأفعال الفردية و إلقائها على الجماعات المنغلقة . إما النظام فهو عملية تناسق وتناغم بين الأشياء و موسقتها , لهذا ترفض ذواتنا الفردية و الجمعية الصاخبة – و هذا سر ديمومة الصخب في حياتنا – أن نموسق حياتنا لأن في ذلك فنائها.
أنشغل هلكان بإصلاح لفافته ثم أستطرد .. كنا و مازلنا نعيش في دائرة مغلقة تبتدئ من حيث تنتهي وإن قضيتنا كقضية ((أبو عگروﮒ)) , حيث يروى أن احدهم كان يشكو من إن ضفدعا في بطنه يتطفل عليه فيأكل كل ما يتناوله من طعام و ينق فيها نقيقا مزعجا , حيث عجز الأطباء عن إقناعه بان ذلك وهم , غير إن طبيبا حاذقا أوهمه بتصديقه ثم أجرى له عملية وهمية ليريه ضفدعا جاء به من النهر . إننا نحتاج إلى الكثير من الأطباء الحاذقين ليخلصونا من ضفادعنا الوهمية عسى أن نلتفت إلى عللنا الحقيقية ونعالج أسبابها لنخرج من هذه الدائرة المغلقة .. ابتسم حمد العراقي ابتسامة غامضة ... وعندها سكت هلكان عن الكلام المباح إلى أن يدرك الشعب العراقي وفقرائه نور الصباح .

ليست هناك تعليقات: