2011/06/09

قصة قصيرة __ المشبوه

جلس أبو حسن على أحد أكياس الطحين المرصوفة في المخزن ، وهو يتابع الحركة البندولية لعاملي السحب من ماكنتي السحب إلى (ريز) أكياس الطحين المرصوفة على مسافة قريبة من المكان ، وبالعكس . يقوم عامل السحب بالباس الكيس في فتحت الماكنة المدورة وما أن يمتلئ حتى يقوم بتلقيم الماكنة كيسا آخر ثم يرصف الكيس المملوء في مكانه من الريز . بينما يقوم عامل التحميل (المشيلچي) برفع الأكياس على أكتاف زملائه من العتالين الذين يقومون بدورهم برصفه في سيارة النقل التي تقف أمام باب المخزن .

نظر إلى رقاص ساعة المخزن الكبيرة في حركته الرتيبة مقارنا بين حركته وحركة العمال المكررة في رواحهم ومجيئهم . كانت وجوه العمال التي تتعاقب أمامه متشابه .. العيون الجاحظة تحت ضغط الكيس ، المستقر على الكتف والمستند على الرقبة ، فيما كانت نظرات عيونهم خابية وغير معبرة .. يؤكد ذلك تشابه تعابير وجوههم .

راقب الأطفال بدهشة الخطوط المنسقة لارتال من النمل حيث تذهب إلى مكان ما لترجع بعد ذلك حاملة حبيبات الحنطة لتخزنها في مخازنها تحت الأرض . امسك حسان عودا من الخشب ليقطع به رتل النمل فيحرفه عن مساره وسط ضحكات رفاقه وهم يرون ارتباك النمل وتشتته شمالا ويمينا . ما أن رفع حسان العود حتى انتظم النمل مرة أخرى في مساره فيما انتقل الارتباك أليهم .

- كيف يفعل النمل ذلك بدقة رغم حجمه الصغير جدا ؟!

- يبدوا إن له عقلا كبيرا . أجاب حسان .

أفاق أبو حسن من ذكريات الطفولة واعترض رتل العمال .

- أبا حسن .. أرجوا أن لا تكون قد أصبت بأذى ؟

قال ذلك العامل بعد أن صدم أبا حسن بكيس الطحين لعدم انتباهه لوجوده . ضحك أبو حسن مجيبا :

- كلا .. يبدوا إن الإنسان يحتاج إلى استعادة طفولته أحيانا .

- فوق .. قال العامل المشرف على الحساب للعتال الذي قام بإلقاء الكيس في أعلى الريز . فوق .. تحت .. الزاوية ، ثلاث كلمات يستخدمها فقط فيما يقتل الوقت بممارسة العاب هاتفه النقال . نشب فجأة شجار بين العمال وتعالت أصواتهم ..

- صلوا على نبيكم .. انتم إخوان .

- اتركهم فهم هكذا على الدوام ، يتشاجرون ثم يتصالحون .

قال العامل المشرف على الحساب ذلك لأبي حسن . العمل في معمل شيء جديد على أبي حسن حيث مارس أعمال هامشية بعد تخرجه .

- لماذا لا تبحث عن وظيفة .. ما فائدة الدراسة وتعب السنين ؟

- لا أريد الدخول إلى عش الدبابير برجلي – قال أبو حسن لزوجته – أن تكون موظفا بالدولة يعني إنك في قبضتهم .

أغلقت أبواب المدرسة وجمع المدير الطلاب .

- سنخرج بتظاهرة ومن يتسرب سوف يعاقب .

كثر تسرب أبو حسن وبذلك كثرت محاسبته .

- سأشكوكم إلى مدير التربية .. لقد خالفتم تعليمات الوزارة .

أحتج أبو حسن على مدير المدرسة وقد ورمت كفاه من الضرب المبرح بالعصا .. لكن الإدارة لم تكف عن إجبار الطلاب .

- المدرسة مدرستنا .. ومن لا يعجبه الأمر فليغادرها .

أجاب المدير بذلك على تساؤلات الطلبة واحتجاجهم . قرر الطلاب الإضراب .

ألقي القبض على أبي حسن وعدد من رفاقه بتهمة التحريض على الإضراب وقيادته . تم التحقيق معهم في مديرية الأمن .

- أنت معادي للحكومة .. ما هو انتمائك السياسي ؟

قال ذلك مدير الأمن لأبي حسن حيث نظمت له (صحيفة أعمال) . منذ ذلك الوقت صار من المشبوهين . أشعل ابو حسن لفافة تبغ جديدة بعد أن سحق سابقتها بقرف ، وكأنه يسحق ذكرياته ، ثم أطلق نفس كبيرا من الدخان الذي أختلط بغبار الطحين الذي ملئ المخزن ليشكل سحابة كثيفة .

2011/06/06

محور نقاش حول الثورات الراهنة

إن قوى التطرف الايديولوجي والعقائد الثبوتية تجد لها انتشارا واسعا في صفوف الجماهير الكادحة والمحرومة على الرغم من كون الايديولوجيا هي تعبير عن الوعي الزائف بالعالم الواقعي الذي ينتج كائنات مستلبة بشكل حاد ومنسلخة عن مصالحها الواقعية ، خاضعة لاوهامها حيث تقف ضد حريتها وتساند جلاديها .

ماهي اسباب ذلك وماهي الوسائل الناجعة التي تساعد على تجاوز هذا الواقع ؟ بأنتظار مداخلاتكم وابداعاتكم .

إن مسقبل ثورات شعوبنا الراهنة بخطر حيث برزت إلى السطح قوى ايديولوجية صاخبة اقرب إلى النمط الفاشي تحاول إلغاء أهداف هذه الثورات الحداثوية باهدافها الواضحة : حرية ، كرامة ، مساواة ، عدالة اجتماعية لتحول هذه الاتجاهات إلى اهداف ومسارات ايديولوجية غامضة تلغي جوهر هذه الثورات وتسمح لقوى الثورة المضادة بالحفاظ على جوهر الانظمة السائدة بل تدفع بالاوضاع إلى ما هو أكثر خطورة . يأتي هذا في ضل قصور قوى اليسار والديمقراطية عن انتاج برامج وتكتيكات مشتركة لدفع هذه الثورات إلى آفاقها المنشودة . إضافة إلى التدخلات الامبريالية بالاجهاز على هذه الثورات . إن انتاج تحليلات غير تقليدية لا تكبلها الرواسب العقائدية الجامدة يستلزم انتاج حوار واسع وجريء لانجاز المهام .

2011/04/26

جدل قراءة التاريخ وصنعه – مرة أخرى-

إذا ما نظرنا إلى تاريخ الأمم التي تقدمت وقطعت مراحل كثيرة على طريق حريتها وتطورها فسوف نجد إن الخطوة الأولى التي وضعتها على الطريق الصحيح هي نقدها الجذري لواقعها السيئ على كافة المستويات والمجالات وإنهاء تقديسها وتصنيمها للذات التاريخية والذات الراهنة ، مما أدى إلى خلق حركية نقدية متفاعلة مع التاريخ والحاضر بجدلية رافضة لكل ما هو متخلف ووثوقي وسكوني ، وطورت كل ما هو إيجابي لتنتج مركبة جديدة خلقت الإنسان الحر الفاعل المؤثر ، وجمعا مموسقا فاعلا ، وبذلك استبعدت الفرد الخانع السلبي المتلقي المغيب ، وكذلك الجماعة القطيعية واستبدلتها بالاجتماع الإنساني الحر صانع التاريخ .

لقد أنتجت المواطن الأمة لا المواطن العضو في القطيع ، والدولة الأمة لا الدولة السلطة التبعيضية ، بأشكالها المختلفة . آنذاك اختفى البطل الضرورة الملهم والجماعات والايديلوجيات الضرورة المنتجة له حيث وضع البطل في مكانه الصحيح فهو البطل العضوي – بالمفهوم الغرامشي – المندمج في حركة الجماهير ، وأخضعت الايديلوجيات والجماعات السياسية لمنطق الواقع الناقد والكاشف ، فأين نحن من هذه الأوضاع المبدعة والخلاقة ؟!

لا أريد الإثقال على القارئ بقدر ما أردت أن أجد مفتاحا لقفل الأقفال المعيق لتطورنا وهو السيكولوجية الوثوقية السكونية ، الفردية والجمعية ، السائدة التي لم تشرع لحد الآن بنقد جذري شامل ومنتج على مستوى النظر والعمل والسلوك رغم كل التردي المستمر ومن دون ذلك ستظل كل التضحيات والاحتجاجات العظيمة لشعوبنا غير منتجة حيث نستبدل الأسوء بالأسوء ولربما بالأكثر سوءا وبالتالي استمرار القوى المضادة للتحرر والتقدم باستثمار الثورات الراهنة من قبل هذه القوى لصالح مشاريعها ومن ثم إعادة إنتاج أنظمة أكثر سوءا تكتسب " مشروعيتها " من الحالة الثورية .

لقد استبشرنا خيرا بالاحتجاجات العظيمة لشعوبنا لكن هذا الأمر لا يمنعنا من النظرة النقدية للأحداث حرصا على مستقبل هذه الثورات . لقد كانت الشعارات الأساسية لهذه الثورات هي الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ، ولكن من الملاحظ إن هذه الأهداف قد صارت شعارات رومانسية غير محددة المحتوى لتصب بخانة قوى ايديلوجية معادية لهذه الشعارات منهجا وفكرا وسلوكا تحاول استثمارها وتفريغها من محتواها .

لقد أثبتت الأحداث إن التحرك العفوي للجماهير لا يكفي بحد ذاته لإنجاز هذه المهام وتطبيق هذه الأهداف على الرغم من كونه قد أرعب الأنظمة الفاسدة واثبت عجزها عن إيقافه واحتوائه ، لكنه لم يحد من القوى والشرائح السائدة سواءا كانت حاكمة أو في المعارضة التقليدية من الحفاظ على جوهر النظام بأشكال أخرى .

إن التجربتين التونسية والمصرية إذ نجحتا في إزالة رأسي النظامين وبعض الحلقات الضيقة في قمتهما قد أشاعتا نوعا من الاسترخاء والثقة القدرية بقدرات الجماهير ولكن ما جرى بعد ذلك قد أكد إن قوى الثورة المضادة تحاول استعادة المبادرة في تونس ومصر فيما تقاوم الأنظمة الأخرى الاحتجاجات الجماهيرية بوحشية لا نظير لها فيما تتهيأ القوى الأكثر فاشية لتسيد هذه الاحتجاجات وحرف اتجاها الحداثوي التحرري الإنساني . هنا يكتسب السؤال الأهم : ما العمل ؟ ضرورته وأهميته .

إن الفرص التاريخية الكبرى لا تتكرر دوما وإن إضاعة هكذا فرص سيعيدنا إلى أوضاع لا يحسد عليها أحد . لذا يستلزم هذا الوضع من كل القوى الحية من الطبقات والشرائح التي لها مصلحة بتحقيق هذه الأهداف إعادة تنظيم نفسها مستلهمة ما أفرزته هذه الثورات من دروس وعبر لطرح خط سياسي وتنظيمي وتعبوي يعزل قوى الثورة المضادة ويفشل خططها لإعادة إنتاج الأنظمة القديمة بأشكال جديدة .